فهم لغة الجسد لباربارا بييز

مقال عن كتاب “لغة الجسد” لباربارا بييز

كتاب “لغة الجسد” لباربارا بييز يعد من أبرز الكتب التي تناولت موضوع التواصل غير اللفظي وكيفية فهم الأشخاص من خلال إشارات أجسامهم. الكتاب ليس مجرد عمل علمي يعرض المعطيات المعرفية حول لغة الجسد، بل هو أيضاً دليل عملي يساعد القارئ في تفسير وتحليل السلوك البشري في مختلف السياقات اليومية والاجتماعية. نشر الكتاب لأول مرة في عام 1970، ومنذ ذلك الحين أصبح مرجعاً أساسياً في مجال علم النفس الاجتماعي وعلم التواصل، حيث تم ترجمته إلى العديد من اللغات وحظي بشعبية واسعة بين المهتمين بتطوير مهاراتهم في فهم الآخرين.

مفهوم لغة الجسد

تعتبر لغة الجسد من أهم وسائل التواصل غير اللفظي التي يعتمد عليها الإنسان في التفاعل مع الآخرين. إنها تشمل جميع الإشارات والتعابير التي تُظهرها أجسامنا، مثل حركات اليدين، تعبيرات الوجه، وضعيّة الجسم، حركة العينين، والتنفس، بالإضافة إلى غيرها من الإيماءات التي يمكن أن تكشف الكثير عن مشاعرنا وأفكارنا. وقد أظهرت العديد من الدراسات أن ما يقرب من 90% من التواصل البشري يكون غير لفظي، وهو ما يعني أن الشخص قد يقول شيئاً لكن لغة جسده قد تعبر عن شيء مختلف تماماً.

أهمية الكتاب

يتناول كتاب “لغة الجسد” للأستاذة باربارا بييز هذه النقطة بعمق، حيث يعرض كيفية تأثير الإشارات الجسدية على العلاقات الشخصية والمهنية. ففي هذا الكتاب، توضح بييز أن فهم لغة الجسد يمكن أن يعزز من قدرة الإنسان على الاتصال بالآخرين بطريقة أكثر فاعلية، مما يؤدي إلى تحسين التفاهم وبناء الثقة. بالنسبة للأفراد الذين يعملون في مجالات مثل التسويق، والتعليم، والعلاقات العامة، يمكن أن يكون الكتاب أداة قوية لفهم ديناميكيات التواصل واكتساب ميزة تنافسية في بيئة العمل.

المفاهيم الأساسية في الكتاب

1. الإيماءات الوجهية والتعبيرات

من أهم الموضوعات التي يتطرق إليها الكتاب هي الإيماءات الوجهية، مثل الابتسامة، العبوس، الدهشة، والتفكير العميق. تفسر بييز كيف أن كل تعبير وجه يتسم بدلالة معينة قد تكون غير متوافقة مع ما يقوله الشخص بالكلمات. على سبيل المثال، يمكن للابتسامة أن تعني السعادة أو الموافقة، ولكن عندما ترافقها نظرة مشوشة أو متوترة، فإنها قد تعبر عن اللامبالاة أو حتى الريبة.

2. وضعية الجسم والوقوف

يتناول الكتاب أيضًا كيفية تأثير وضعية الجسم على التواصل. على سبيل المثال، إذا كان الشخص يقف بشكل مستقيم ويداه مشبوكتان خلف ظهره، فإن هذا يشير إلى الثقة بالنفس، بينما إذا كان الجسم متراخيًا أو منحنيًا فهذا قد يكون علامة على قلة الثقة أو الإحراج. بييز تشرح أيضًا أهمية المسافة بين الأشخاص أثناء التفاعل، وكيفية تأثيرها على جودة العلاقة.

3. الإشارات اليدوية

تتطرق بييز في كتابها إلى تأثير الإشارات اليدوية وكيف أن الأيدي تعتبر أداة قوية في توصيل الرسائل. بعض الحركات قد تكون غير لفظية تماماً وتكشف عن نوايا الشخص أو مشاعره، مثل إيماءة رفع اليد أثناء الحديث أو التلويح بها. وتُظهر دراسة لغة الجسد أن هذه الإشارات يمكن أن تكون أكثر صراحة وصدقًا من الكلمات.

4. التواصل بالعيون

من الأمور التي تركز عليها بييز بشكل كبير في الكتاب هي أهمية العيون. العين هي نافذة الروح، كما يُقال، وعند فحص اتجاهات النظر، يمكننا معرفة الكثير عن حالة الشخص النفسية. فإذا كان الشخص يحدق فيك مباشرة في عينيك، فإن هذا قد يكون دليلاً على اهتمام أو تحدي، أما إذا كان ينظر بعيدًا، فقد يكون علامة على الخجل أو محاولة تجنب مواجهة موضوع ما.

5. الأصوات والتواصل الصوتي

تستعرض الكاتبة في جزء آخر من الكتاب كيف أن الأصوات تنطوي على رسالة أكبر من مجرد الكلمات. نبرة الصوت، وتكرار الكلمات، والسرعة التي يتم بها الحديث كلها عناصر يمكن أن تكون دالة على مشاعر معينة. على سبيل المثال، الحديث بسرعة قد يشير إلى التوتر أو الحماس، بينما الحديث ببطء قد يعكس التفكير العميق أو الشعور بالملل.

المفاهيم النفسية وراء لغة الجسد

الكتاب لا يتوقف عند مجرد شرح الإشارات الجسدية، بل يتطرق إلى الأسباب النفسية التي تكمن وراء هذه التصرفات. بييز تشرح كيف أن الشخص غالبًا ما يظهر سلوكه غير اللفظي بناءً على مشاعر وعوامل نفسية قد لا يكون مدركًا لها بشكل كامل. فمثلًا، إذا كان الشخص يشير إلى فمه أو يلمس أنفه أثناء الحديث، فقد يكون ذلك إشارة إلى أنه يشعر بعدم الأمان أو أنه يواجه صعوبة في قول الحقيقة.

تطبيقات كتاب “لغة الجسد” في الحياة اليومية

يقدم الكتاب العديد من الأمثلة والتطبيقات العملية التي تساعد القارئ في استخدام لغة الجسد بشكل فعّال. على سبيل المثال، يقدم نصائح حول كيفية التفاعل مع الآخرين بطريقة تتيح لك فهم ما يشعرون به حقًا من خلال إشاراتهم الجسدية، دون الحاجة إلى سماع كلماتهم. كما يعطي إرشادات حول كيفية استخدام لغة الجسد في محيط العمل لبناء علاقات إيجابية مع الزملاء والعملاء.

تؤكد بييز أيضًا على أن القارئ يجب أن يكون حذرًا عند تفسير لغة الجسد، حيث أن الاختلافات الثقافية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على معنى الإشارات الجسدية. بعض الإيماءات التي قد تكون إيجابية في ثقافة معينة قد تُعتبر غير لائقة أو حتى مهينة في ثقافة أخرى.

خاتمة

كتاب “لغة الجسد” لباربارا بييز هو من الأعمال التي تتجاوز مجرد كونه كتابًا علميًا. إنه مرشد عملي لفهم كيف يعبر الناس عن مشاعرهم وأفكارهم من خلال حركات أجسادهم. يعد هذا الكتاب أداة أساسية لكل شخص مهتم بتطوير مهاراته في فهم الآخرين وتحسين تواصله معهم. إن الإلمام بلغة الجسد يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في حياتنا اليومية، سواء على الصعيد الشخصي أو المهني، ويزيد من قدرتنا على بناء علاقات مبنية على الفهم والتفاهم المتبادل.